كيف تُقاس نسبة فاعلية اللقاحات المضادة لكوفيد-19 علمياً؟
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن فاعلية لقاحات كورونا المتوافرة بحيث أضحت الأرقام التي تَصدر وتُنشر عن فاعلية هذه #اللقاحات الشغل الشاغِل للعلماء والمواطنين حول العالم. فلا يكادُ يمر يوم من دون أن نسمع أو نقرأ عن نسبٍ مئويةٍ مرتفعةٍ للقاحٍ أو عن تناقصٍ لفاعلية لقاحٍ آخر بالنسبة إلى الفيروسات المتحوّرة الجديدة.
تتسابق الشركات المُصنِّعة على نَشر النسب المئوية لفاعلية لقاحاتها. هذه المادة الدعائية دفعت المواطنين إلى الوقوع في لغط الأرقام فأصبحوا يفاضلون بين اللقاحات المتوافرة ويتبادلون أرقام النسب المئوية لفاعليتها في شكل مغلوط بعيدًا من الحقيقة العلمية.
لتجنب إضافة تعقيد آخر الى النقاش العلمي والمجتمعي حول فاعلية لقاحات كورونا سنحاول إيضاح بعض النقاط.
كيف تقاس فاعلية لقاحات كورونا، وإلامَ ترمز نسبة الفاعلية؟
تقاس فاعلية اللقاحات من خلال مقارنة معدل الإصابة بكوفيد-19 لدى المشاركين الذين تلقوا اللقاح الفعلي مقابل معدل الإصابة لدى المشاركين الذين تلقوا لقاحاً وهميًا. فمثلاً، أجرت شركة «فايزر-بايونتك» تجاربها على حوالى 37 ألفًا من المشاركين الذين قُسِّموا الى مجموعتينِ متساويتينِ بنسب الأعمار وحتى بالأمراض بين أفرادها.
مجموعةٌ أولى مؤلفة من 18198 مشاركاً تلقت اللقاح الفعلي. مجموعةٌ ثانيةٌ مؤلفة من 18325 مشاركاً تلقت لقاحًا وهميًا والذي يعرف ببلاسيبو (Placebo) وهو عبارة عن محلول ملحي لا يسبب ايَّ خطرٍ على صحة المشاركين.
وحدهم المشرفون على الدراسة السريرية يعلمون من تلقى اللقاح الفعلي ومن تلقى اللقاح الوهمي.
خلال فترة التجارب السريرية، يعيش المشاركون حياتهم الطبيعية وفي نهاية الدراسة يحتسب عدد الذين أصيبوا بكوفيد-19 في كل مجموعةٍ ليتم من بعدها تقييم واحتساب النسبة المئوية لفاعلية اللقاح.
كيف تُحتسب نسبة فاعلية اللقاح؟
لتوضيح ذلك، يمكننا أن نأخذ مثالًا نتائج لقاح «فايزر-بايونتك» التي نُشرت في دورية "نيو إنغلند الطبية" في كانون الأول 2020 حيث اعتمد الباحثون لتحديد نسبة فاعلية اللقاح على المعادلة التالية:
100 * (1 – "معدل الإصابة بكوفيد-19 بين المشاركين الذين تلقوا اللقاح الفعلي/ معدل الإصابة بكوفيد-19 بين المشاركين الذين تلقوا اللقاح الوهمي")
إن نسبة المشاركين الذين ظهرت عليهم أعراض كوفيد-19 بعد حقنهم بجرعتين من اللقاح الفعلي بلغت 0.0439% (8 من أصل 18198 مشاركًا) أما نسبة المصابين بكوفيد-19 من الذين تلقوا اللقاح الوهمي فقد بلغت 0.884% (162 من أصل 18325 مشاركًا).
وبهذا تصبح نسبة فاعلية اللقاح وفقاً للمعادلة المذكورة أعلاه:
100 * (1 – (0.0439\0.884) = 95%
من الشائع الاعتقاد بين الكثيرين، اعتبار أن 95% من الذين أخذوا اللقاح سيكونون محميين من كوفيد-19 فيما يبقى 5% معرضين للإصابة. فيما الأدقّ القول إن المحميين فعلياً هم الذين كانوا سيصابون بكوفيد-19 لو لم يتم تلقيحهم وهم 154 من أصل 162 بحسب أرقام دراسة فايزر في ذلك الوقت.
من أبرز العوامل المؤثرة في نتائج دراسات نسبة فاعلية اللقاحات:
معدل انتشار الوباء في البلدان التي أجريت فيها التجارب. إن الانتشار السريع للفيروس يعطي فرصة متساوية لجميع المشاركين بالتعرض للفيروس ويقلل من هامش الخطأ او "الصدفة" في النتائج.
احتمال انتشار سلالات مختلفة في الدول التي أجريت فيها التجارب.
التركيبة الجينية للمشاركين في هذه التجارب، فمثلاً أجري الجزء الأكبر من التجارب على لقاح "أسترازينيكا-أوكسفورد" في المملكة المتحدة بينما أجريت أغلب تجارب "فايزر-بيونتيك" في الولايات المتحدة الأميركية. الاختلافات في التركيبة الجينية بين سكان هذين البلدين ربما أثرت في اختلاف نسب فاعلية اللقاحين.
العامل الصحي للمشاركين الذي قد يؤدي دورًا أساسيًا. بالرغم من جهود منظمي هذه الدراسات لإجرائها على مجموعات متشابهة قدر الإمكان، إلاّ أنهم لن يستطيعوا تأمين متطوعين تتطابق حالتهم الصحية بنسبة مئة في المئة.
الفترة الزمنية الفاصلة بين الجرعتين وهي ليست ثابتة لدى كل اللقاحات، من المرجح جداً تعديل هذه المدة مستقبلاً لدى العديد من اللقاحات بعد الانتهاء من تقييم المرحلة الحالية من عمليات التلقيح.
كمية الجرعة المعطاة إذ إنه خلال التجارب السريرية للقاح "أسترازينيكا-أوكسفورد" حصل خطأ في كمية الجرعة الأولى من اللقاح حيث تلقت إحدى المجموعات المشاركة نصف جرعة من اللقاح كحقنة أولى تلتها جرعة ثانية كاملة. قاربت نسبة فاعلية اللقاح لدى هذه المجموعة الـ90% بينما كانت هذه النسبة 62% لدى المجموعة التي حقنت بجرعتين كاملتين. لا يوجد تفسير علمي متين لهذه النتيجة والدليل أن لقاح "أسترازينيكا-أوكسفورد" الحالي يعتمد على جرعتين كاملتين.
وسط المطالبات برفع وتيرة التلقيح وزيادة نسبة فاعلية التلقيح، اقترح العلماء دمج لقاحين مختلفين ضد فيروس كورونا المستجد كأن يجري استخدام لقاح مختلف في الجرعة الثانية عن اللقاح الذي أعطي في الجرعة الأولى لذلك، أطلقت أخيراً جامعة أوكسفورد دراسة سريرية على 820 متطوعًا تزيد أعمارهم عن الـ50 عامًا لاختبار هذه النظرية عبر استعمال لقاحي "فايزر-بيونتيك" و"أسترازينيكا-أوكسفورد". لا يوجد أي مانع علمي من استخدام هذه الطريقة بعد أن تم التأكد من فاعلية كلا اللقاحين. تكمن أهمية هذه الطريقة، في توفير خيارات عدة للتلقيح وعدم الاعتماد على مصدر واحد للقاح في حال نقص الإمدادات. من الناحية العلمية من الممكن أن يؤدي الدمج بين اللقاحات الى الحصول على استجابات مناعية أقوى.
المعطيات العلمية المتوافرة حتى الآن حول اللقاحات غير كافية للمفاضلة في ما بينها، ولكن الحقيقة الأكيدة الوحيدة التي نعلمها ان أيا من هذه اللقاحات سيكون درعاً واقية الى حد بعيد من الإصابة بالفيروس وحاميًا من أعراضه الخطيرة لذا فإن أي لقاح متوافر هو الافضل.
المصدر: النهار