الدكتور نادر حسين أستاذ وباحث في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية
كيف تعمل لقاحات كورونا وما هي أبرز الفروق في تقنيّاتها؟
من الطاعون الأنطوني إلى (Covid-19) مروراً بالكوليرا، الإنفلونزا الإسبانية، الإيدز، إنفلونزا الخنازير والإيبولا، مرّت مجتمعاتنا بأزمات صحّية خطيرة إذ أودت هذه الأوبئة بحياة الملايين من الأشخاص.
ولعلّ أكثر الابتكارات إبداعاً للإنسان، #اللقاحات التي حرّرتنا من أمراض عديدة، بعدما أظهر لنا التاريخ مدى فظاعتها.
واليوم، يخوض العالم سباقاً محموماً مع الوقت بين تأمين إنتاج لقاحاتٍ آمنة وفعّالة، وبين الانتشار السريع لفيروس #كورونا المستجد، الذي يرفع من إمكانية اكتسابه طفرات جديدة تنتج فيروسات متحوّرة أكثر فتكاً، مع قدرة أكبر على التهرّب من فاعلية اللقاحات المتوفرة حالياً.
ما هو اللقاح؟ وما هي أبرز اللقاحات المتوفرة؟ كيف تعمل؟ وكيف يتعامل جهاز المناعة معها؟
اللقاح هو مستحضرٌ بيولوجي يحفّز الجهاز المناعيّ للفرد على إنتاج مناعة ضدّ مرض معيّن.
فمنذ بدء جائحة كورونا، انكبّ الباحثون في العالم على تطوير وإنتاج لقاحات تثير استجابات مناعية وقائية تحمينا من خطر الإصابة بالفيروس، أو بالحدّ الأدنى تقلل من حالات دخول المستشفيات والوفيات. فقد تم إنفاق أموال طائلة لتطوير واختبار العديد من أنواع اللقاحات، ومنها على سبيل المثال لقاحات الحمض النووي الريبوزي، لقاحات الفيروسات الناقلة، ولقاحات الفيروسات المعطلة أو الخاملة. أثمرت هذه الجهود نجاحاً بإنتاج عدد منها، بالإضافة إلى عشرات ما زالت قيد التطوير.
من اللقاحات التي بدأ استعمالها وتوزيعها:
- لقاح استرازينيكا - أوكسفورد Astrazeneca-Oxford.
- لقاح جونسون أند جونسون Jhonson & Jhonson.
- لقاح سبوتنيك Sputnik V.
- لقاح سينوفارم Sinopharm.
- لقاح فايزر - بيونتك Pfizer-BioNTech.
- لقاح مودرنا Moderna.
- لقاح نوفافاكس Novavax.
وقد أثبتت الدراسات السريرية التي أجرتها الشركات المصنّعة فاعلية عالية لهذه اللقاحات، لكن بنسب متفاوتة بين لقاح وآخر. وقد ظهر التفاوت بشكل خاصّ على الفيروسات المتحوّرة التي ظهرت حديثاً (المتحوّر البريطاني، المتحوّر البرازيلي والمتحوّر الجنوب أفريقي). لذلك، نرى أنّ العديد من الدول قد باشرت بمحاولة تأمين أكثر من لقاح لتطعيم سكّانها ضد فيروس كورونا المستجدّ.
وتختلف هذه اللقاحات في ما بينها بتقنية تطويرها وإنتاجها من جهة، وبطريقة تخزينها وحفظها من جهة أخرى. إذ يتم تخزين لقاحات سبوتنيك، استرازينيكا، نوفافاكس، جونسون أند جونسون، وسينوفارم بين درجتين وثماني درجات مئوية. بينما يتم تخزين لقاح مودرنا في درجة حرارة تبلغ عشرين مئوية تحت الصفر، مقابل سبعين درجة مئوية تحت الصفر للقاح فايزر- بيونتك.
تؤخذ جميع هذه اللقاحات على شكل جرعتين، باستثناء لقاح جونسون أند جونسون الذي يؤخذ على شكل جرعة واحدة. ومن أبرز التقنيات التي اتبعت لإنتاج هذه اللقاحات:
1. تقنية النواقل الفيروسية أو ما تُعرف بـ viral vector vaccine.
استعمل الباحثون هذه التقنية لتطوير وإنتاج لقاح استرازينيكا - أوكسفورد البريطاني، سبوتنيك الروسي، وجونسون أند جونسون الأميركي. يستخدم العلماء في هذه التقنية الفيروسات الغدّية (Adenoviruses) المعطلة وراثياً حتى لا تتكاثر داخل الخلايا البشرية، ويحملونها ترميز الحمض النووي للبروتين التاجي (S أو Spike) لفيروس كورونا، وهي النتوءات التي تظهر على سطح الفيروس. على سبيل المثال، استخدمت شركة استرازينيكا لذلك فيروساً يصيب الشامبانزي، ولكنه لا يسبب مرضاً للبشر. وتعدّ هذه التقنية تقليدية وأقلّ كلفة من لقاح فايزر ومودرنا.
2. تقنية الفيروسات المعطّلة "الخاملة"
إنها أكثر التقنيات تقليدية، وهي تعتمد استخدام كامل فيروس كورونا (SARS-CoV-2) معطلاً كيميائياً (inactivated whole virus)، ولا قدرة له على التكاثر في جسم الإنسان. من إيجابيات هذه التقنية أنها تقدّم بروتينات فيروسية متعددة للتعرف المناعي، وهي من التقنيات التقليدية القديمة في إنتاج لقاحات فعّالة. استخدمت شركة سينوفارم الصينية هذه التقنية.
3. تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال أو "Messenger RNA".
استخدمت هذه التقنية لتصنيع لقاحَي فايزر - بيونتك ومودرنا، وهي تعتمد على تحفيز الجهاز المناعي من خلال الشيفرة الجينية. يتكوّن اللقاح من الحمض النووي الريبوزي المرسال أي "Messenger RNA" الذي ينتج البروتين التاجي (S) داخل الخلية المصابة، لكنّ هذا الحمض يعدّ هشاً للغاية لذا فقد غلف بجسيمات نانوية دهنية لحمايته.
التكنولوجيا التي اعتُمدت لصناعة هذين اللقاحين لم تكن وليدة اليوم أبداً، بل نتيجة دراسات دامت لسنوات عديدة لتطوير هذا النوع من اللقاحات ضد مرض السرطان.
وخلافاً لما رُوِّج له، فلا إمكانية لاندماج الحمض النووي الريبوزي Messenger RNA لهذين اللقاحين، في جينوم الحمض النووي للخلية البشرية (DNA).
إنّ الأعراض الجانبية التي سجّلت بعد أخذ هذه اللقاحات ليست بخطيرة بتاتاً، ويمكن أن نجدها مع أيّ لقاح آخر. وقد تراوحت بين الشعور بألم في موضع أخذ اللقاح مع تسجيل إحساس بالتعب، ووجع في الرأس.
كيف يتعامل جهاز المناعة مع لقاحات كورونا؟
تعتمد معظم لقاحات فيروس كورونا المستجدّ على إدخال الشيفرة الجينية، التي تحمل التعليمات لصناعة البروتين التاجي (S أو Spike) للفيروس إلى داخل الخليّة البشرية. فتبدأ هذه الأخيرة بإنتاج هذا البروتين، فتتعرف بعض خلايا جهاز المناعة عليه، ثم تفككه بواسطة أنزيمات. وتعرض مكوّناته حتى تتعرف إليها خلايا أخرى في الجهاز المناعي؛ تنشّط نوعين مهمين من خلايا الدم البيضاء، وهما الخلايا اللمفاوية B التي تنتج أجساماً مضادّة للبروتين التاجي، تمنع فيروس كورونا المستجد من دخول الخلايا البشرية في حال دخوله جسم الإنسان، والخلايا اللمفاوية T ومهمتها قتل الخلايا المصابة بالفيروس.
توفر هذه اللقاحات إنتاج العديد من الأجسام المضادّة ضد أماكن عديدة من البروتين التاجي. وهذا ما يوفر لنا الوقاية بنسبة معيّنة حتى على الفيروسات المتحوّرة. لكن السؤال الذي يطرح، هل علينا تلقّي اللقاح سنوياً؟
من الواضح أنّ للطفرات الجديدة التي أنتجت فيروسات متحوّرة تأثيراً يؤدي إلى تناقص في فاعلية بعض اللقاحات. فقد أعلنت مؤخراً شركتا نوفافاكس وجونسون أند جونسون، أنّ لقاحيهما كانا فعّالين بنسبة 50% و57% في الوقاية من COVID-19 لدى المشاركين في التجارب من جنوب أفريقيا، حيث ينتشر المتحوّر الجنوب أفريقي. تعدّ هذه النتائج مقلقة وخاصّة بعد ورود أنباء عن ظهور متحوّر بريطاني آخر يحمل نفس الطفرة E484K الموجودة في المتحوّرَين البرازيلي والجنوب أفريقي.
احتمال وجود فيروسات متحوّرة أخرى لم يتم الكشف عنها بعد وارد جداً، لأنّ فكّ الشيفرة الجينية للفيروس لا يتم بشكل مستمر في معظم دول العالم. لذا فإنّ أفضل طريقة للحدّ من ظهور فيروسات متحورة حالياً هي تلقيح الناس بفترة زمنية قياسية في كل أنحاء العالم. ولكن هذا الأمر يبدو صعباً في الوقت الحالي، وخاصة في الدول التي تعاني اقتصادياً.
كما ذكرنا في بداية هذا المقال، فإنّ هذه الجائحة ليست الأولى عبر التاريخ ولن تكون الأخيرة. لكننا اليوم محظوظون بامتلاكنا تقنيات سمحت لنا بالوصول إلى إنتاج لقاحات بفترة قياسية، بعدما سخرت العقول البشرية والأموال الطائلة لمحاربة هذا الفيروس. العبرة ستكون في حسن استخدام هذه الإنجازات، وذلك سيكون مسؤولية ملقاة على عاتق الحكومات والمنظمات العالمية، من أجل حسن إدارة المرحلة القادمة في مواجهة الوباء.
المصدر: النهار