كيف تُحدَّث اللقاحات للحماية من السلالات الجديدة؟
مع تزايد الأدلّة على أن بعض السلالات الجديدة من فيروس «كورونا» المستجدّ يمكن أن تتجنّب المناعة الناتجة من اللقاحات أو عدوى سابقة، حتى قبل وصول اللقاحات إلى جميع الدول، بدأ الباحثون يتقدّمون بخطط لتحديث لقاحاتهم حتى يتمكّنوا من استهداف هذه السلالات بشكل أفضل.
يعدّ المتحوّران الجنوب أفريقي (B.1.351) والبرازيلي (P.1) من أكثر السلالات إثارة للقلق حالياً، حيث وجدت الأبحاث أنهما يحملان عدة طفرات أبرزها (N501Y) التي تسرع انتشار العدوى وتسهل التصاق الفيروس بسطح خلية الإنسان وأخرى (E484K) تغير في شكل إحدى المناطق التي تستهدفها الأجسام المضادة وبالتالي تقلّل من فاعلية هذه الأجسام التي صنعها الأشخاص الذين تلقّوا لقاحات «فايزر - بيونتك»، «مودرنا»، «أسترازينيكا - أوكسفورد»، «جونسون أند جونسون» و«نوفافاكس».
إحدى الدراسات أظهرت أن الطفرة (E484K) أدت مخبرياً إلى انخفاض فعالية الأجسام المضادة المكتسبة من لقاح «فايزر - بيونتك» إلى الثلث مقارنةً بفعاليتها ضد السلالات الأخرى. وبما أننا لا نعلم حتى الآن كمية الأجسام المضادة المطلوبة لتحييد الفيروس وأيضاً لا نعلم قدرة الوسائط المناعية الأخرى مثل الخلايا التائية القاتلة وغيرها في التعرف إلى السلالات الجديدة. لذلك ليس واضحاً ما إذا كانت هذه الطفرة كافية للتهرب من المناعة المكتسبة باللقاحات.
لا يمكننا الشروع بتحديث اللقاح في كل مرّة تظهر فيها سلالة جديدة!
اللافت للاهتمام أن هذين المتحورين ظهرا بشكل منفصل، لكن يحملان نفس الطفرات المهمة وهذا يدعو إلى التساؤل هل لدى فيروس كورونا مناطق في حمضه النووي قادرة على التحوّر أكثر من غيرها؟
بناءً على ما تقدم، يمكننا الاستنتاج بأنها مسألة وقت قبل الإعلان أن تحديث اللقاح سيتم بشكل دوري. وهناك عدة أسئلة بحاجة إلى إجابات قبل طرح اللقاحات المحدَّثة:
كيف ومتى نقرّر تحديث اللقاح؟
لا يمكننا الشروع بتحديث اللقاح في كل مرة تظهر فيها سلالة جديدة. بدايةً، تجب دراسة تأثير الطفرات المختلفة على فعالية اللقاحات وعلى انتشار الفيروس. أيضاً، يجب تحديد الفترة الزمنية التي يحتاج إليها هذا الفيروس لإنتاج سلالة جديدة قادرة على الانتشار العالمي السريع وتجنّب المناعة الناتجة من اللقاحات. عندها يتقرّر متى وكم مرّة يجب تحديث اللقاح.
كيف سيتم تحديث اللقاحات؟
بما أن أغلب اللقاحات تعتمد على بروتين النتوءات «سبايك»، فإن أحد الاحتمالات هو استبدال النسخة القديمة من هذا البروتين بنسخة محدّثة تحتوي على التغيّرات التي خفَضت فعالية المناعة المكتسبة من اللقاح السابق، أو استخدام النسخة القديمة والجديدة من «سبايك» معاً في اللقاح الجديد. بعض المختبرات بدأ بتطوير لقاحات تستهدف عدة بروتينات لدى الفيروس، ما سيصعّب عليه التهرّب من المناعة المكتسبة بحيث يصبح عليه أن يراكم عدداً أكبر من الطفرات للقيام بذلك، وهذا من شأنه إطالة مدة فعالية اللقاح. سيحتاج الباحثون أيضاً إلى تحديد ما إذا كان لهذه الطفرات الجديدة تأثيرات غير مباشرة تؤثّر على تفاعل الجهاز المناعي مع اللقاح.
كيف ستتم تجربة اللقاحات والموافقة عليها؟
لن تكون الموافقة على الجيل الثاني من لقاحات «كورونا» بسيطة وسريعة كما هي الحال مع لقاح الإنفلونزا مثلاً، الذي لا يحتاج إلى طرح النسخة الجديدة منه إلى تجارب إضافية لأنه يملك عقوداً من الخبرة والتجارب السريرية. من المستبعد أيضاً تكرار التجارب على عشرات الآلاف من المتطوعين كما حصل مع الجيل الأوّل من اللقاحات. يروّج الباحثون حالياً للاعتماد على تجارب تشمل المئات فقط، ولن يحتاجوا إلى انتظار إصابة المتطوّعين بالفيروس لتقييم فعالية اللقاح الجديد. يمكنهم ببساطة قياس الاستجابات المناعية بعد كل جرعة ومقارنتها مع استجابات لقاحات الجيل الأوّل، وبهذه الطريقة لن تستغرق التجارب سوى أشهر قليلة.
بانتظار الإجابة العلمية عن هذه الأسئلة، لا نملك سوى تلقيح أكبر عدد ممكن من الأشخاص حول العالم باستخدام اللقاحات الحالية للحدّ من انتشار الوباء وللتخفيف قدر الإمكان من ظهور سلالات جديدة.
المصدر: الاخبار