Articles
   

حتمية التحوّر: كورونا ليس استثناءً

هذه الملكة الخيالية، أعطت اسمها لنظرية أساسية في علم البيولوجيا التطوّرية، خلاصتها أن بين الكائن المضيف والطفيليات المُعدية المسبّبة للأمراض علاقة ديناميكية تحتّم تطوّراً مستمرّاً. وللبكتيريا والفيروسات قدرة عالية على التطوّر تفوق نظيرتها عند الكائنات المتعدّدة الخلايا، كالبشر مثلاً. ذلك أن حقبات تكاثرها أقصر بأشواط.

أمّا منهجية هذا التطوّر، فتكون عبر ولادة طفرات «تلقائية» في تسلسل حمضها النووي. قواعد اللعبة الأساسية تختصرُ بالتالي: في سلّم الارتقاء والتطوّر أي طفرة تحرز تقدّماً نوعياً تبقى وتستمر على طريق ولادة متحوّر جديد. وفي المقابل، الطفرات التي تعيق تقدّمها مصيرها الاندثار.

أمّا في معنى التقدّم النوعي عند الفيروسات المعدية، فهو القدرة على الانتقال السريع من مضيف إلى آخر والتكاثر وليس القدرة على إمراض المضيف. بل على العكس، إن ضعف أو هلاك المضيف يمكن أن يكون عاملاً سلبياً لقدرة الطفيلي على الانتقال والانتشار.

في جهد مشترك بيننا كباحثين في الجامعة اللبنانية وأطباء وتقنيين من مستشفى السان جورج (الحدث)، تابعنا حالة المصابين بالمتحوّرات الواردة إلى لبنان، كانت خلاصة عملنا هذا أن المتحوّرات قيد الدرس على الرغم من كونها سريعة الانتشار، لم تكن بالضرورة أكثر إيذاءً من متحوّر «ووهان» الأصيل.

وتجدر الإشارة إلى أننا كنا قد نشرنا بحثاً سابقاً بالتعاون مع مستشفى السان جورج (الحدث)، الذي مثّل من بداية الأزمة الصحية أحد المركزين الأساسيين المخصَّصين لعلاج مرضى الجائحة على المستوى الوطني، تتبّعنا فيه حالة أكثر من 902 من المرضى مصابين بكورونا.

ومع الأسف، إن رغبتنا في «تفادي» تحوّر الفيروس تصطدم بحتميته المؤكدة في «خط الزمان التطوري المسجل» للفيروسات بشكل عام (هل توقف فيروس الإنفلونزا يوماً عن التحور؟).

لذلك، وتفادياً لأي جهد ضائع، فالمطلوب في الظرف الحالي هو توجيه الطاقات لتنهج منحىً وقائياً في مواجهة عدو لن يتوقّف عن التحوّر في سبيل تطوير موجبات بقائه. لم يخلُ تاريخنا من الأوبئة، كما لن يخلو مستقبلنا منها مع فارق حاسم يتمثّل في تقدّم الرعاية الصحية والبحث العلمي. لذا فبيت القصيد يكون في علم يؤدّي أغراضاً إنسانية ويشقّ بذلك طريقه بين ردهات الاستغلال المادي والسياسي للجائحة.

 

المصدر: الاخبار

Upcoming events
Copyright UL2020. All Rights Reserved. Designed & developed by Mindflares. ©